خفايا الانتساب لاهل البيت

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
خفايا الانتساب لآل البيت
شبكة البصرة
د. عماد الدين الجبوري
كاتب واكاديمي عراقي
عندما اختار الله تعالى أمة العرب أن تكون مهبطاً لرسالته السماوية، فإنه تعالى خص قبيلة قريش دون سواهم من القبائل العربية، ومن بطون قريش العشرة ميز بني هاشم وحدهم، ومن بينهم أصطفى نبيه المُرسل محمد بن عبد الله (570-662) علبه الصلاة والسلام، وفضل آل بيت النبي على كلفة المسلمين وأمر بالصلاة عليهم. والآيات القرآنية والأحاديث النبوية كثيرة في هذا الشأن ومنها:
"ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا". سورة الأحزاب، الآية 33.
ويقول رسول الله (ص): "قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد".
وبعد انتشار الإسلام من حدود الصين إلى حدود فرنسا وتداخل بعض الأنساب بين العرب وبقية الشعوب المسلمة، ومخافة أن يدعي أحد ما من الطامعين الدنيويين أو الحاسدين أو من الذين لهم خفايا وأغراض ضد العرب والإسلام عموما، بأن يدعي انتسابه للنسل الشريف زوراً وتزيفاً، لذا فقد تشكلت "نقابة الأشراف" في العهد العباسي من أجل هذا الهدف. حيث أن مهمتها الإدارة في تسجيل المواليد للطالبيين والعباسيين ومتابعة شؤونهم والرعاية الواجبة لهم وغير ذالك من اللوازم الواجبة. وكان منصب رئيس هذه النقابة أو المؤسسة لا يعلوه منزلة إلا الخليفة نفسه. لاسيما إذا كان رئيساً لكلا الخطين الطالبي والعباسي، كما جاء في مخاطبة الشريف الرضي (-1015) للخليفة حيث قال:
مهلا أمير المؤمنين فإننا
في الدوحة العلياء لا نتفرق
إلا الخلافة ميزتك فإنني
أنا عاطل منها وأنت مطوق
ومع ذلك فإن الصراع السياسي حول "الخلافة" الذي كان بين العلويين والعباسيين، فإنه أستمر أيضا بين العلويين والعباسيين. وبما أن معظم الثورات العلوية أخفقت ميدانياً في تحقيق السلطة ونيل الحكم، لذا عمد قادتها نحو التنظيم السري من ناحية. والاختفاء عن عيون أجهزة الدولة من ناحية أُخرى.
بيد أن هذا الوضع السري ومع مرور الوقت الطويل قد قضت على أي احتكاك شعبي مباشر بين الإمام العلوي الثائر وعامة المسلمين. حيث اقتصرت صلاته بالمجتمع عبر وكلائه المخلصين. وبالتالي خلقت ثغرة مكنت بعض الذين تفانوا في خدمة القضية العلوية أن وصلوا إلى دفة القيادة العليا تنظيمياً وروحياً، وهم لا نسب لهم بآل البيت. ولقد حدث ذلك في أكثر من موقع وموضع منها:
أولا: عندما فر محمد ابن إسماعيل بن جعفر الصادق إلى الهند هرباً من الخليفة هارون الرشيد (786-809)، فإنه اختفى هناك فجأةً. ثم أعلن أتباعه من الإسماعيلية بأنه "الإمام الغائب" الذي سوف يعود لبسط الأرض عدلا.
ثانيا: بعد أن توفى علي بن حسين بن أحمد ابن إسماعيل بن جعفر الصادق في بلدة "سَلَمًية" بشمال الشام وهي مقر الإسماعيلية، فإن أتباعه جعلوا له مزارات سرية ونقلوا الإمامة إلى أبنه الروحي عبيد الله مؤسس الدولة الفاطمية (909-1171) فيما بعد.
ثالثا: اختفاء محمد بن حسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق في سرداب بسامراء عام 870 عن عمر ناهز الأربعة أعوام. ثم أعلن وكلائه بأنه في غيبته الصُغرى. وبعد قرابة ستة عقود وقبيل وفاة من تبقى من الوكلاء الأربعة، قالوا بأنه دخل في غيبته الكُبرى.
وهنا نحن أمام غموض مريب وشك يفرض نفسه على كل عاقل متأمل في طريقة الاختفاء الفجائي من جهة. وما جاء على لسان الوكلاء أو قادة التنظيم السري من أخبار وأقوال وقرارات تخص الإمام الذي ليس له تماس مباشر مع الناس. خصوصاً وأن قضية الإمام الغائب أو المهدي المنتظر صار فيها إختلاف بين العلويين أنفسهم. فهل هو محمد أبن إسماعيل كما تنص الإسماعيلية (أو السبعاوية: الإمام السابع عندهم هو إسماعيل وليس موسى الكاظم). أو إنه محمد بن حسن العسكري (الإمام الثاني عشر عند الاثنا عشرية).علماً أن الزيدية (أو الخماسية: الإمام الخامس عندهم هو زيد وليس محمد الباقر) قد رفضوا فكرة "الإمام الغائب". لأن إسناد قيادة المسلمين إلى طفل قاصر كونه الوريث، فأن القيادة في هذه الحالة يجب أن لا تكون بالوراثة وإنما بقدرة الإمام على تحمل مسؤولياته عقلاً وشرعاَ وفكراً.